في السنوات الأولى من العُمر، وخصوصاً من فترة الحمل وحتى سنّ الثالثة، يحتاج الأطفال إلى التغذية والوقاية والتحفيز من أجل نموٍّ دماغي سليم. وقد أظهرت التطورات الحديثة في علوم الجهاز العصبي أدلةً جديدةً حول نمو دماغ الأطفال الرُضّع خلال تلك الفترة.
وبالتالي، نعلم أنه في السنوات الأولى من حياة الأطفال، تشكل أدمغتهم روابط جديدة بمعدل مذهل يبلغ (وفقاً لمركز نمو الطفل التابع لجامعة هارفارد) أكثر من مليون رابطة في الثانية؛ وهي سرعة لن تتكرر لاحقاً قط,
وأكدت الدراسة انه وخلال عملية بناء الدماغ، تتشكّل الوصلات العصبية بفعل الجينات والخبرات المعيشية – وهي تحديداً حُسن التغذية والوقاية والتحفيز من خلال الكلام واللّعِب والاهتمام المُتجاوب مِن طرف مَن يعتنون بالطفل وإنّ هذه التوليفة من الطبيعة والتغذية تضع حجر الأساس لمُستقبل الطفل.
بيّد أنّ كثيراً من الأطفال ما تزال تفوتُهم توليفة ’التغذية واللعب والحُب‘ التي تحتاج إليها أدمغتهم لكي تنمو، فنحن بكل بساطة لا نعتني بأدمغة الأطفال مثلما نعتني بأجسامهم
وتُحدِّد الدراسة جُملةٌ من العوامل سبب حصول بعض الأطفال على ما يحتاجون إليه من تغذية ووقاية وتحفيز، بينما يتخلّف غيرهم عن الرّكب، ويُعدّ الفقر عنصراً شائعاً في هذه المعادلة، فهناك 250 مليون طفل دون سنّ الخامسة في البُلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل عُرضة لعدم تحقيق إمكاناتهم النمائية بسبب الفقر المُدقع وتوقّف النمو.
وفي كثير من الأحيان يكون الأطفال الأشد حرماناً هُم الفئة الأقل حظاً في الحصول على المكوّنات الغذائية اللازمة للنمو نمواً سليماً وعلى سبيل المثال، يمكن للتعرّض للإجهاد المُفرط بصورة متكرّرة أو مطوّلة (مثل الإهمال وإساءة المعاملة) أن يحفّز منظومات استجابية بيولوجية تتسبب مع اقترانها بغياب شخصٍ بالغ يحمي الطفل في حدوث إجهاد سُمّي، وهي استجابةٌ يمكن لها أن تتدخّل في نمو الدماغ، ومع نموّ الطفل يُنذر الإجهاد السُمّي بمشاكل بدنية وذهنيّة وسلوكية في مرحلة البلوغ.
كذلك يلعب النزاع وغموض المصير دوراً في المسألة، إذ يُواجه الأطفال دون سنّ الخامسة في المناطق المتأثّرة بالنزاع والدول الهشّة مخاطرَ تتهدد حياتهم وصحّتهم ورفاههم.
ويترتب عن الإغفال والتراخي ثمنٌ باهظ ومضاعفات طويلة الأمد على الصحة والسعادة والقدرة على كسب العيش مع دخول أولئك الأطفال في سن البلوغ، ويُساهم هذان العاملان أيضاً في حلقات الفقر وعدم المساواة والإقصاء الاجتماعي على الصعيد العالمي.
وعلى الرغم من الحاجة إليها، ما تزال برامج الطفولة المبكّرة ناقصة التمويل بصورةٍ حادّة وتُنفَّذ تنفيذاً باهتاً. فالاستثمار الحكومي الموجّه نحو النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة متدنٍّ. وعلى سبيل المثال، في قياسٍ شمل 27 بلداً من بُلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تبيَّن أنّ 0.01 في المئة فقط من الناتج الوطني الإجمالي قد أُنفق في التعليم ما قبل المرحلة الابتدائية. وهناك أيضاً فهمٌ عام ضئيل لأهمية السنوات الخمس الأولى من عُمر الطفل، فضلاً عن أن الطلب العام على وضع سياسات وبرامج وتمويل هو طلبٌ خفيف.